الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

الرحمة: مرسالٌ من الله في قلوب عباده



لا نكاد نمضي في عمرنا قليلًا إلا ونقف أمام هاتين القصتين، ندرسهما في صف مبكر جدًا، لكنهما – ورغم أنهما يحملان في داخلهما معاني عظيمة – لا يجدان منا الإدراك الفعلي لهما، كرسائل يجب أن تستمر معنا في حياتنا، ترافقنا طوال الوقت.

القصة الأولى: "عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".

القصة الثانية: "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة."

يمكن أن تمر هذه القصص مرور الكرام، لكن ألا يستحق مضمون هذا الكلام الوقوف عنده؟ أن ندرك الرسالة التي يحملها، فالقصتان اتفقتان على المعنى، الرحمة، وكيف يمكن للرحمة إرسال أحدنا إلى الجنة، أو تحول طريق آخر إلى النار، حتى ندرك نحن أهمية الرحمة في التعامل فيما بيننا.

من بين كل صفات الله عز وجل نجد الله –سبحانه وتعالى– يقول على نفسه في القرآن:
"وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".
"قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ".

يا الله.. يا لعظمة هذه الرحمة حتى يخبرنا الله، ويطمئن قلوبنا أنه قد كتبها على نفسه، حتى ندرك نحن، أن الله قد خلقنا وهو يرحمنا، يعلم ما نفوسنا جميعًا، يعلم أننا نخطيء، لكنه سيغفر لنا، سيمنحنا فرصة أخرى، بل فرص لنتوب، ما دمنا نسعى إلى طريقه حقًا.

وفي آية أخرى: "وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ".
ورحمتي وسعت كل شيء، فرصة أخرى يمنحها الله للجميع، لنعلم ونؤمن وندرك أن رحمته تسع كل شيء.

حين أرسل الله سيدنا محمد، كخاتم للأنبياء والرسل قال له "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
الرسول، مبعوث من الله، يدعوهم إلى دينه، رحمة للعالمين جميعًا.

ثم ماذا نفعل نحن البشر؟

رغم كل هذه الرسائل التي يمنحنا الله إياها، نقرر أن نقسو على بعضنا البعض، نهمل الرحمة تمامًا، وتتحجر القلوب في تعاملها مع الناس، أصبح البعض يظن أن الرحمة صفة غير مقبولة في عالمنا، وأنها ربما ضعف، أو ضياع للحق.

وأصبحنا نحاكم بعضنا، ننصب أنفسنا آلهة تحاكم غيرها، وكأن الله منح من يتكلم، مفتاح جنته، أو جعله ناطقًا باسمه، يحدد من سيذهب إلى الجنة، ومن سيذهب إلى النار.

ونسينا أن الله، حين كتب على نفسه الرحمة، وحين أرسل عباده إلى الجنة أو النار، بسبب الرحمة، وأننا مخلوقات الله، علينا أن نتحلى بهذه الصفة، نحاول أن نكون " مرسال رحمة " كوننا خلفاء لله في أرضه، وبالتالي نحمل جزءًا من هذه الصفة.

في غزوة أحد، حين غادر بعض المسلمين مواقعهم في الغزوة لجمع الغنائم وكاد ذلك يتسبب في هزيمة المسلمين في الغزوة، يصدر الأمر الآلهي إلى الرسول " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " يخبر فيها الرسول بوجوب تعامله بالرحمة مع المسملين، ولولا الرحمة لما اجتمع حوله أحد وما صدقه الناس، بل ويأتي الأمر للرسول بمشاورتهم في الأمر وأن يغفر لهم موقفهم في الغزوة، الرحمة هي الصفة التي ميّزت الرسول، والتي أرسله الله بها، فإن كنا نرى في رسولنا الكريم قدوة حسنة، ومثال نقتضي به، نحاول أن نسير على دربه دائمًا، فأين نحن من رحمته؟

في مقولة عن جلال الدين الرومي يقول "سلام على أولئك الذين رأوا جدار روحك يريد أن ينقض “فأقاموه” .. ولم يفكروا أن يتخذوا علية اجرًا"

هؤلاء الناس، نحن نعتبرهم أفضل من يعبرون في حياتنا، لأنهم يتعاملون معنا بمنطق الرحمة، كل ما يفعلونه أنهم يرون فينا نقصًا، فيكمّلوه، يرون فينا فقدًا، فيعوّضوه، كأن الله جعلهم لنا رسل لرحمته في الأرض.

لا يهتمون بما نفعل، لا يحكمون علينا بأننا في الهاوية، إنما يسعون إلى أن يكونوا رحماء بنا، وبما نحن فيه، يأخذون بيدنا مرة أخرى إلى طريق الله، مهما كان بعيدًا عنا، يرحمون ضعفنا الإنساني، فقط لأن الله جعل فيهم الرحمة صفة يعيشون بها، ويمنحونها إلى غيرهم.

الرحمة، نحن دائمًا نطلبها من الله، في كل وقت، وحتى حين ندعوه، نقول " اللهم عاملنا برحمتك لا بعدلك " وعلى الرغم من أن الدعاء قد يكون فيه جزء من الخطأ، لأن عدل الله، بالطبع شيء عظيم، لكن لأننا ندرك بأننا بشر نخطيء، وعقلنا يفسر العدل أن نعاقب إذا اخطأنا، لذلك نطلب من الله أن يعاملنا برحمته، وحتى لو كنا ندرك العدل بشكل صحيح، فنحن نحب رحمة الله بنا.

كل هذه الأدلة بالنسبة لي، لا تؤكد إلا أن الله خلقنا، ليرحمنا، ولم يخلقنا، لنقسو نحن على بعضنا، وأن ما نفعله في بعض الأوقات بالتفكير في عقاب الله قبل رحمته، ربما تصرف خاطيء، وأن هناك من الأمور التي لم ندركها، ومنها كم نحتاج إلى الرحمة في هذا الوقت الذي نحياه، كيف أن الرحمة يمكنها أن تحول حياة البعض إلى الأفضل، وكيف أن فقدها يمكن أن يحولها إلى الأسوء.

كونوا دائمًا رسل للرحمة من الله، يبعث الله بكم لتطيّبوا جراح من يحتاج إليكم لا تزيدونها ألمًا، لا تفقدوا الأمل أبدًا في رحمة الله، قبل أن تحدثوا الناس عن عذاب الله، حدثوهم عن رحمته، وإن ظننتم أن الطريق الذي يسير فيه البعض لا يؤدي إلا إلى النار، فلربما في آخره تنتظر إشارة، تأخذ بيد السائر إلى الجنة، وقد تكون أنت هذه الإشارة، الله وحده يعلم.

الأحد، 4 سبتمبر 2016

دوشة كتب.. النور أشرق في الوجود!

يقول غاندي "كن أنت التغيير الذي تريد رؤيته في العالم"، وأنا مثل غاندي، أؤمن تمامًا بهذه الفكرة وأن عليّ أن أسعى لأن أكون التغيير الحقيقي الذي أريد رؤيته في العالم، فما أعظم من فكرة أن تدعو إلى شيء وتكون أنت أول من يطبقه في الحياة.

لكن هذا الأمر في واقعنا لن يكون كافيًا بالنسبة لي، لأنني أطمح لشيءٍ أكبر من هذا تمامًا، أتمنى أن أكون واحدًا من أولئك الذين يخلدهم التاريخ على أنهم صنعوا تغييرًا حقيقيًا في العالم، لا سعيًا شخصيًا نحو الشهرة، لكن إيمانًا بأهمية أن أؤدي دوري في الأرض، وأن أكون خير خليفة لله في أرضه.

ما كنت سأجد النجاح في الرحلة لو أنني بمفردي، وبعد مختلف البحث في وسائل متعددة، وجدت الطريق الحقيقي في النهاية، هذا المكان الذي يمكنه أن ينير للعالم بأكمله، دوشة كتب.

عندما أعود إلى البداية، أجدنا قد قررنا أن نبدأ في هذه الخطوة، نتناقش سويًا لعلنا نصل إلى صورة واضحة لما نريد فعله، نحمل مولودنا بين أيادينا، ونشكله معًا ليكون أعظم ما يُولد في هذه الحياة، نبحث عن الأفضل له في كل لحظة، نؤمن بأنه يحتاج إلى الكثير من الأشياء لينضج في هذا المجتمع، نتخبط في تربيته عن حبٍ له، وسرعان ما نعود به إلى الطريق الصحيح مرة أخرى.

ماذا يمكننا أن نفعل؟ كان هذا تساؤلًا يقف في طريقنا طوال الوقت، فمع كل ما يحدث في الحياة حولنا، وما نراه من إحباطات تخص الأفراد، كان علينا أن نجد حلًا بديلًا لما يحدث، كوكب دوشة كتب، حيث الرغبة الأولى لنا هي أن نغير الواقع بأفكارنا، الحقيقة أن رؤيتنا يمكنك أن تطبقها على نفسك ما دمت ترغب أن تكون فردًا معنا، "غيّر الواقع بفكرك" هي الرؤية الفعلية لنا، لأننا نرى بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الشخص، فإن كنت ترغب في ذلك يمكنك أن تغير من واقعك، أما إن فقدت هذه الرغبة، فكل المحاولات ستفشل معك لا محالة حتى تدرك هذه الرغبة.

في كلماتي هذه أخاطب في الأساس من يؤمنون بهذا الحلم ويعرفونه فعلًا، لذلك قد تظن أنني أبالغ حين تقرأ هذا الكلام إن كنت لا تعرف عنا شيئًا، وأصدقك القول أنني لا أبالغ على الإطلاق، فهذه الكلمات هي وصف للحلم كما أراه، وكما أتمنى أن يكون موجود دائمًا، وفي السطور القادمة أعرّفك على كوكبنا أكثر، وأتمنى أن أراك ضيفًا على هذا الكوكب في أقرب وقت.

كوكبنا هو الحلم بأن نخلق العالم الذي نتمنى أن نعيش فيه جميعًا، حيث كل واحدٍ منا يأخذ مساحته الخاصة للتعبير عن رأيه كما يريد، يقدم لنا أدلته وبراهينه، ولا أحد يحاول أن يفرض علينا وجهة نظره، نعرف بأن غرض النقاش الأساسي هو محاولة الوصول إلى الصواب، لا محاولة كل شخص إقناع الآخرين بأنه فقط على صواب.

كذلك نؤمن بأهمية القراءة في حياتنا، وكيف تؤثر القراءة في الثقافة بشكل واضح تمامًا، وأيضًا كيف تؤثر القراءة في فكر الإنسان عمومًا، وتساهم في تكوين عقله وشخصيته، ومن هنا كانت فكرة التجمع الأساسي لنا، قراءة كتاب والنقاش عليه.

تطورت الفكرة بعد فترة طويلة، وبدأنا في تطبيق أفكار أكثر، مثل التفكر في القرآن، وقراءة التاريخ بحثًا عن حقيقته، وكذلك وجود تدريبات للنقاش نمارس فيها النقاش بتقنيات مختلفة، ومجلة تصدر كل فترة دورية لنقل الفائدة من التجمعات إلى الأفراد وتوفير مساحة لمواهب محافظة قنا.

دوشة كتب.. النور أشرق في الوجود، والحلم بدأ يأخذ دورًا في طريق أحلامًا كثيرة يمكننا أن نحققها، أصبح لدينا وسيلة نرتكز عليها في رحلة التغيير، نعرف بأن الأمر لن يكون سهلًا على الإطلاق، فمن قرر اختيار طريقًا مثل طريق التغيير المباشر في الأفراد، يعرف بأن هذا الأمر يحتاج إلى مجهود ووقت كبير، ولذلك نؤمن بهذا الهدف، وسنظل نسعى إليه دائمًا، وسيظل الحلم قائمًا لا ينتهي، وستظل الفكرة حيّة لا تموت.


نعرف بأننا نخوض خطواتنا الأولى في هذا الحلم، وأن أمامنا الكثير لنفعله حتى نصل إلى التغيير، لكننا نؤمن بكل خطوة نخوضها في هذا الحلم، دوشة كتب.. "وملينا الدنيا أمل.. أمل" وسنظل نحاول أن نملأها بالأمل طوال الوقت، إن شاء الله.

الثلاثاء، 26 يناير 2016

رسائل الثورة (3).. وطن بلا تعذيب!

منذ 5 سنوات حين قامت الثورة، تفاخر الجميع بأن الـ18 يوم منذ قيام الثورة وحتى رحيل مبارك هي أفضل أيام في حياة الجميع، الكل يشعر بحالة من الوطنية الشديدة، لا يسيطر على أحد سوى الرغبة في إحداث التغيير، اليوم نشعر بأننا أصبحنا أصحاب هذه الأرض.

أين ذهب كل ذلك اليوم؟ يمكن أن نقولها بأن ما حدث هو أن الثورة قُتلت في العديد، من الطبيعي حين تجتهد في عمل شيء ما ثم لا تحصد إلا نتائج عكسية أن تصاب بحالة من الإحباط، وتبدأ في التساؤل " ما الذي تغيّر؟ ماذا جنينا سوى الموتى والمصابين والمعتقلين؟ "

منذ 5 سنوات كان لكلمة الحلم والوطن والأمل وحتى التغيير معنى عظيم جداً يُدركه الجميع ويؤمن به، لأنهم يصنعون كل هذا، ومع مرور الوقت تراجع معنى هذه المسميات، وأصبح لا فائدة من وجودها، أي أحلام تلك التي لا نملك منها شيئاً!

واحدة من هذه الأحلام كان حلم الشاب " محمود محمد " معتقل التيشيرت، وهذه الجملة لم تخطيء قراءتها لأن محمود يتم حبسه احتياطياً منذ عامين بالضبط، أي منذ 25 يناير 2014! وذلك لأنه ارتدى تيشيرت مكتوب عليه " وطن بلا تعذيب! "، هذا شاب يحلم أن يعيش في وطن يحترم قيمة الإنسان ويقدره، كيف يُمكن أن نكافيء هذا الحلم؟ بالضبط مثلما فكرت أنت الآن، أن نقبض عليه ونعذّبه بسبب حلمه البسيط.

الجدع أحمد عبد الرحمن أحد معتقلين قضية مجلس الشورى، ما الجريمة التي ارتكبها؟
كل ما فعله أحمد أنه قرر الانتفاض لمجموعة من الفتيات اللاتي كان يُعتدى عليهم بواسطة الأمن، ولم يعجبهم أن يفعل ذلك الأمر فقبض عليه!

القائمة تطول بمن هم معتقلون بمثل هذه الأفعال التي تكرمهم الدولة عليها بالحبس في سجونها.

والحق أننا يجب أن نسأل " لماذا قمنا بالثورة؟ " السؤال الذي يجب أن تملك له إجابة فردية دون النظر إلى رأي الجماعة من حولك، فأنت لست بتابع! لقد قمنا بالثورة من أجل التغيير، تبدو إجابة رائعة جداً ولكم أحب أن أرددها في داخلي دائماً، لكن من أين يبدأ هذا التغيير؟

منذ وقت طويل سألت أمي سؤالاً اختلط بدموعي وأنا أقول " كيف لي أن أستمر وسط كل هذه الظروف؟ كيف لي أن أتابع المسيرة وكل من آمنت بهم يفقدون الأمل ولهم الحق في ذلك؟ "
أجابتني قائلة " لكل واحد طريقه في صناعة التغيير، وهناك من اتّخذ من المظاهرات طريقه لأنه يجيد السعيّ في هذا، وأنت تملك طريقاً آخر غير المظاهرات فـ عليك أن تستمر "

كل منّا له دور في صناعة التغيير، على الأقل من داخلك قبل أي شيء، فـ الثورة قامت لكي نعدّل من بعض السلوكيات الخاطئة التي كانت تُرتكب، فـ كيف سنحقق أهداف الثورة – ونحن المؤمنون – بها لا نلتزم بمثل هذه الأهداف!

هناك من تراجع لأنه دفع الثمن كثيراً جداً ولا يمكن أن نوجه له أي لوم، لكن هناك من بقي يحاول ويحارب لعله ينجح في صناعة الفارق!

ولإن بقينا جميعاً لا نحاول أو نسلّم بأن ما حدث قد حدث والحرب انتهت، فـ من ذا الذي سينصر محمود وحلمه في البحث عن وطنٍ بلا تعذيب! أو من سيحارب من أجل بطولة أحمد عبد الرحمن وما فعله؟

ربما في عالم آخر كنّا سنتحدث عن رفاهية التوقف، لكننا الآن في داخل المعركة بغير اختيارنا ونعاني أشد المعاناة ولا خيار أمامنا لأن الثمن تم دفعه من قبل وسيستمر بدون توقف.

فلنسعى جميعاً لإدراك التغيير الذي يجب أن نكون عليه من داخلنا لعل هذا يكون سبب في نجاح المحاولة، بل ربما سيكون هو السبب الأقوى لو أدركنا هذا فعلاً، ولتبقى نار المقاومة مشتعلة حتى إشعار آخر ولو في القلوب فقط، من فضلكم لا تطفئوها، فـ لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً!

الأحد، 24 يناير 2016

رسائل الثورة (2).. 25 يناير عيد الشرطة.. خليهم يتسلوا.. عذراً هي ثورة واحدة فقط!

كنت أسير في الشوارع وتأخذني أفكاري إلى لحظات لا تفارق البال، وأتوقف عند واحدة من هذه اللحظات لا أتذكر تاريخها بالتحديد لكن أتذكر ما حدث في تلك الليلة بالضبط، " التلفزيون " يعرض واحدة من جلسات البرلمان ويقف الرئيس المخلوع حسني مبارك مخاطباً النواب موجهاً رسالته إلى المعارضة قائلاً " برلمان موازي إيه، خليهم يتسلوا! "، لا يشغلني أمر لا برلمان ولا برلمان موازي كل ما أهتم به هو الاستهزاء الذي يتحدث به الرئيس عن الشعب.

تأخذني هذه اللحظة إلى لحظة أخرى هي وفاة خالد سعيد، وأتذكر مقال قد كتبه د/ أحمد خالد توفيق بـ عنوان " خالدنا وخالدهم " عن هذه الحادثة، فـ قد كتبت عنه الصحافة المصرية تصفه بأنه شهيد البانجو، ورد عليهم أحمد خالد بتوفيق بهذا المقال الرائع جداً، وأتذكر جملة من آخر المقال كالتالي: " خالدنا” هو شهيد الطوارئ، خالدهم” هو شهيد البانجو؛ لكن العبقري الذي صكّ هذه العبارة سوف يدفع ثمنها يوماً ما، ولسوف يتمنى لو قُطعت يده قبل أن يكتبها إرضاء لفلان باشا.. هل أنت متأكد يا سيدي من أن طائرة الفرار المتّجهة إلى سويسرا سوف تُقلع في وقتها حقاً؟ ".

أعود مرة أخرى إلى الحاضر، أؤمن بأن الثورة لا بد وأن تندلع في وقتٍ ما، كل هذه الذكريات التي راودتني هي ذكريات لدى الجميع، بل يوجد في ذاكرة كل منّا أضعافاً مضاعفة والكل يؤمن بأن هناك غضب قد اشتعل في النفوس سيحرك الشعب إلى الثورة، حوادث ظلم فساد تعذيب معاناة، كلها مرادفات لما يشعر به كل فرد قرر المشاركة في الثورة، هكذا قامت ثورة 25 يناير.
الثورة هي الأحدث الأطهر والأنقى مهما مر علينا الوقت وستظل كذلك لا شيء سيغيّر من هذه الحقيقة، الثورة جاءت في عيد الشرطة لتوجه رسالة لن تنسى ابداً، واليوم كأننا نعود إلى الماضي لنجدهم يحاولون إقناع أنفسهم بأن 25 يناير هو عيد الشرطة فقط!

الحق أن الأمور تبدلت، والأحوال تغيّرت، الثورة زُرعت في النفوس المعارضة لها قبل المؤيدة، الثورة قامت لكي تترك أثراً في حياة الجميع، جميعنا تأثرنا وفهمنا كل شيء، لم نعد كما كنا نجهل ما يحدث أو نخاف أو نخشى الحديث لأن " الحيطان لها ودان "، وكلما ظن أحد بأنه لا أمل فـ ليقرأ الجملة الأخيرة من مقال د/ أحمد خالد توفيق ويتذكر شعوره وقتها، ومهما حاول أحد إقناعنا بأن كل ما صنعناه لم يعد موجود سنرد عليهم بأن طائرة الفرار لن تقلع في وقتها، ولن يجدوا الوقت الكافي حين تتغيّر الأمور للهروب، وأن الله لا يبقي الأحوال على ما هي عليه، فقط نأمل بأن يأتي النصر من عند الله في القريب العاجل، وحتى يحدث ذلك أقولها، 25 يناير لم يعد هو تاريخ عيد الشرطة فقط، 25 يناير هو تاريخ الثورة الأعظم في التاريخ، وإن كان المخلوع موجود مرة أخرى فـ إنني أقولها له وللكل " خلينا نتسلى " ولقد نجحنا في صناعة التاريخ بـ هذه التسلية وكتبنا الحدث الأطهر في حياتنا جميعاً.


عذراً لكل من يفكر في أن التاريخ يمكن أن تُخفى حقائقه، لـ هؤلاء أقول بأننا لن نسمح بأن يتم إخفاء الحقيقة التي شهدناها بأنفسنا وآمنا بها أشد الإيمان، لكل من شهدوا هذه الحقيقة أقول علموا كل من يأتي بعدكم بأنها ثورة واحدة فقط حقيقة ثابتة في القلوب والأذهان لا تقبل النقاش، وأن من عاش وشهد ورأى وسمع وآمن وصدق ليس كمن سمع وقرأ فقط، وغداً قد يولد من يستولد الحق مرة أخرى من بين أضلع المستحيل ويوقد نيران الثورة من جديد ما دامت الحقيقة تُنقل إليه صادقة لا زيف فيها، فـ الثورة حرة باقية في القلوب حتى النهاية.

السبت، 23 يناير 2016

رسائل الثورة (1).. ماذا لو لم تقم ثورة في تونس؟

قامت ثورة عظيمة في تونس واندلعت الأجواء هناك، مما أدى إلى هروب الطاغية بن علي إلى السعودية في 14 / 1 / 2011، تاريخ لن ينساه الكثير منّا، فما يحمله من الذكريات لن يخرج أبدًا من ذاكرتنا مهما مر من الوقت.
ماذا لو تقم الثورة في تونس؟
كتبها صديقي وأرسلها إليّ، لعلي أحمل إليه إجابةً على سؤاله. لكنني وجدت نفسي أسأله: ولماذا تسأل عن الأمر؟
لم يفكر كثيرًا، وأجاب بتلقائية: لم يكن ليحدث هذا كله! ماذا أخذنا من الثورة غير شهداء ومعتقلين ومصابين وحياة تدمرت لدى العديد من الأفراد، وظلم أصبح يعشش في البلاد، لم يتغيّر شيء، بل إننا أصبحنا نعيش على شبح من الذكريات، تأسرنا ولا نستطيع أن نخرج منها أو نتخطاها، الحياة توقفت مع فشل الثورة في كثير من معاركها."
ابتلعت إجابته كمن يبتلع ريقه؛ خوفًا من مجهولٍ لا يدركه، ولا يعرف مصيره في مواجهته. أغمضت عينيّ حتى توقف بي الزمان عند لحظةٍ لا أنساها أبدًا، يوم رحيل بن علي، عندما وقف مواطن تونسي يهتف في الشارع ويقول "يا توانسة يلي غبنوكم، يا توانسة يلّي عذبوكم، يا توانسة يلّي قهروكم، يا توانسة يلّي سرقوكم، تنفسوا الحرية، شعب تونس هدالنا الحرية، يحيا شعب تونس، تحيا تونس العظيمة، المجد للشهداء، يا توانسة ما عادش خوف، المجرم هرب.. بن علي هرب.. شعب تونس حر.. الشعب هو اللي يحكم.. يا شعبنا يا عظيم.. يا شعبنا يا باهي.. يا شعبنا يا غالي.. يا شعبنا يا سمح.. تنفس الحرية.. العظمة لتونس.. البقاء للشعب التونسي.. رانا تحررنا، وبن علي هرب!"


رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=L2vFQzhxGWE
أتنفس الصعداء في داخلي فرحةً بما تذكرت، كأني وجدت المهرب، تهدأ روحي قليلًا وأقرر أن أجيب بكل صدق عن تساؤله، ماذا لو لم تقم الثورة في تونس؟
- لا نتدخل في أقدار الله بالتأكيد، ولكن قيام الثورة في تونس لم يكن هو الدافع لقيام الثورة لدينا في مصر، الثورة كانت لتقوم سواء بتونس أو بدونها.
- صديقي يسألني عن تونس ولم يسألني عن مصر، لأنه يهرب من مواجهة القضيّة الحقيقيّة التي نعاني نحن منها.
- لو أن هناك علاقة قوية وقيام ثورة تونس، معناه أن الحياة كانت لتمضي دون أي أحداث في مصر، وكما يقول صديقي بأن الثورة أتت ومعها لا شيء سوى الموت وما يحيط به، سأتساءل، هل كانت حياتنا مقبولة قبل الثورة؟ الظلم هو الظلم في جميع الأوقات ولا خلاف على ذلك، وعلينا أن نقف في وجهه، الشهيد اسم وليس رقم، لذلك إن مات شخص واحد في عهد شخص ما، فذلك معناه أن شرعيته قد انتهت.
- ربما فشلنا نحن فيما حدث بعد ذلك، لم ننجح في إدارة ثورتنا وأصبحنا فعلًا نعيش على شبح الذكريات، هذه حقيقة يعيشها الكثير من الأفراد الآن. وهناك من لم يعد مثلما كان من قبل، قُتلت الأراوح في داخلها، فصارت الأجساد تحيا دون أرواحها، هذه حقائق لابد من الاعتراف بها حتى يمكننا أن ننظر إلى ما يحدث بشكل صائب ونعالجه.
أنتهي من تجميع هذه الحقائق في ذهني وأرسل إلى صديقي قائلًا: "لو لم تقم الثورة في تونس، فكانت لتقوم في مصر، يجب أن تدرك بأن ما يحدث ما كان ليحدث بأي شكل آخر، فنحن نختار ونسير ناحية الأقدار وما كتبه الله لنا، الحل لا يكمن أبدًا في إنكار قديم قد حدث، بل في إدراك جديد يحدث والتعامل معه بما يستحقه. الثورة حقيقة لا خلاف عليها، واضحة وضوح الشمس في قلب أغسطس، فلا تظلم الثورة يا صديقي، وتذكر دائمًا ذلك المواطن التونسي الذي هتف بن علي هرب، تذكر إيمانه بما قال، وتذكر الحريّة وقيمتها وأهميتها لدى الجميع، وتذكر إيمان شعبنا يوم أن قام بثورته.
منذ فترة قالها لي شخص عجوز تجاوز عمره ما يقرب من أربعة أضعاف عمري "شجرة كان، تسقيها بمّية "مياه" يا ريت، متطرحش!". فالعيش على ما مضى لن يصل بنا إلى شيء أبدًا. صديقي هل يمكنك أن تحافظ على عود الثقاب مشتعلًا لا ينطفيء، أو حتى سليمًا لإشعاله في وقت لاحق، بعد أن أشعلته بالفعل؟ الإجابة لا، فلماذا لا نفكر في إشعال عود آخر بدلًا من العيش على شبح ذكرى العود الذي أشعلناه ولم يكفي؟
ولنا حديث آخر قريبًا!