كنت أسير في الشوارع وتأخذني أفكاري إلى لحظات لا تفارق البال، وأتوقف عند
واحدة من هذه اللحظات لا أتذكر تاريخها بالتحديد لكن أتذكر ما حدث في تلك الليلة
بالضبط، " التلفزيون " يعرض واحدة من جلسات البرلمان ويقف الرئيس
المخلوع حسني مبارك مخاطباً النواب موجهاً رسالته إلى المعارضة قائلاً "
برلمان موازي إيه، خليهم يتسلوا! "، لا يشغلني أمر لا برلمان ولا برلمان
موازي كل ما أهتم به هو الاستهزاء الذي يتحدث به الرئيس عن الشعب.
تأخذني هذه اللحظة إلى لحظة أخرى هي وفاة خالد سعيد، وأتذكر مقال قد كتبه
د/ أحمد خالد توفيق بـ عنوان " خالدنا وخالدهم " عن هذه الحادثة، فـ قد
كتبت عنه الصحافة المصرية تصفه بأنه شهيد البانجو، ورد عليهم أحمد خالد بتوفيق بهذا
المقال الرائع جداً، وأتذكر جملة من آخر المقال كالتالي: " “خالدنا” هو شهيد الطوارئ، “خالدهم” هو شهيد البانجو؛ لكن العبقري الذي صكّ هذه العبارة سوف
يدفع ثمنها يوماً ما، ولسوف يتمنى لو قُطعت يده قبل أن يكتبها إرضاء لفلان باشا..
هل أنت متأكد يا سيدي من أن طائرة الفرار المتّجهة إلى سويسرا سوف تُقلع في وقتها
حقاً؟ ".
أعود مرة أخرى إلى الحاضر، أؤمن بأن الثورة لا بد وأن تندلع في وقتٍ ما، كل
هذه الذكريات التي راودتني هي ذكريات لدى الجميع، بل يوجد في ذاكرة كل منّا
أضعافاً مضاعفة والكل يؤمن بأن هناك غضب قد اشتعل في النفوس سيحرك الشعب إلى
الثورة، حوادث ظلم فساد تعذيب معاناة، كلها مرادفات لما يشعر به كل فرد قرر
المشاركة في الثورة، هكذا قامت ثورة 25 يناير.
الثورة هي الأحدث الأطهر والأنقى مهما مر علينا الوقت وستظل كذلك لا شيء
سيغيّر من هذه الحقيقة، الثورة جاءت في عيد الشرطة لتوجه رسالة لن تنسى ابداً،
واليوم كأننا نعود إلى الماضي لنجدهم يحاولون إقناع أنفسهم بأن 25 يناير هو عيد
الشرطة فقط!
الحق أن الأمور تبدلت، والأحوال تغيّرت، الثورة زُرعت في النفوس المعارضة
لها قبل المؤيدة، الثورة قامت لكي تترك أثراً في حياة الجميع، جميعنا تأثرنا
وفهمنا كل شيء، لم نعد كما كنا نجهل ما يحدث أو نخاف أو نخشى الحديث لأن "
الحيطان لها ودان "، وكلما ظن أحد بأنه لا أمل فـ ليقرأ الجملة الأخيرة من
مقال د/ أحمد خالد توفيق ويتذكر شعوره وقتها، ومهما حاول أحد إقناعنا بأن كل ما
صنعناه لم يعد موجود سنرد عليهم بأن طائرة الفرار لن تقلع في وقتها، ولن يجدوا
الوقت الكافي حين تتغيّر الأمور للهروب، وأن الله لا يبقي الأحوال على ما هي عليه،
فقط نأمل بأن يأتي النصر من عند الله في القريب العاجل، وحتى يحدث ذلك أقولها، 25
يناير لم يعد هو تاريخ عيد الشرطة فقط، 25 يناير هو تاريخ الثورة الأعظم في
التاريخ، وإن كان المخلوع موجود مرة أخرى فـ إنني أقولها له وللكل " خلينا
نتسلى " ولقد نجحنا في صناعة التاريخ بـ هذه التسلية وكتبنا الحدث الأطهر في
حياتنا جميعاً.
عذراً لكل من يفكر في أن التاريخ يمكن أن تُخفى حقائقه، لـ هؤلاء أقول
بأننا لن نسمح بأن يتم إخفاء الحقيقة التي شهدناها بأنفسنا وآمنا بها أشد الإيمان،
لكل من شهدوا هذه الحقيقة أقول علموا كل من يأتي بعدكم بأنها ثورة واحدة فقط حقيقة
ثابتة في القلوب والأذهان لا تقبل النقاش، وأن من عاش وشهد ورأى وسمع وآمن وصدق
ليس كمن سمع وقرأ فقط، وغداً قد يولد من يستولد الحق مرة أخرى من بين أضلع
المستحيل ويوقد نيران الثورة من جديد ما دامت الحقيقة تُنقل إليه صادقة لا زيف
فيها، فـ الثورة حرة باقية في القلوب حتى النهاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق